الأربعاء، 18 أغسطس 2010

أحبك ..وأعرف أن الطريق الى المستحيل طويل

على قارعة الطريقة وجدت نفسها .. بعد أن طردتها زوجة عمها .. فريدة هي تلك الفتاة ذات الأربع والعشرين ربيعا .. لأول مرة تمد يدها طلبا للمعونة ... مدتها وقلبها يعتصر .. تسولت الناس الحاجة وعيناها يملاؤها دمع حزين تتلألأ قطراته تحت وهج الشمس الحارقة ..تمر الأيام وهي تفترش أرض الحديقة المجاورة لتنام بعين واحدة واخرى تراقب أرجل المتسكعين .. وأذناها تسمع نباح الكلاب .تنام لتحلم بأيام طفولتها, تتذكر أمها وأبيها اللذين توفيا في حادثا أليم منذ عشرين عام .. تدمع عيناها وهي نائمة .. فتمتد يد لتمسح دمعها .. تستيقظ فريدة ليطالعها وجه طفل صغير لا يتجاوز السادسة .. يجلس بجانبها .. يمد لها كسرة خبزة بيده الصغيرة .. ويبتسم .. إنها إبتسامة لم تتعود عليها فريدة .. تمد يدها وتمسد على رأسه الصغير تسأله عن إسمه .. فيرد في إشارة, إنه أبكم .. تدمع عيناها . هكذا هي الحياة في الشارع . تمر الأيام ولا تفارق فريدة ذاك الصغير .. تعامله كأبن لها .. ويجد هو لديها الدفء والمحبة .. حياتهما بسيطة .. لا يكسوه زيف أو خداع .. لقد وجدت في حياة التسول شلل لمشاعرها فطلبت من إمام المسجد مساعدتها في إيجاد عمل فوجد لها عمل في إحدى الشركات .. عاملة تنظيف .. أما نادر وهو الأسم الذي إخترته لذاك الطفل فأصبح لا يفارقها .إنه إبني . هكذا قالت للجميع .غرقت في بحر العمل والكد محاولة أن تنسى ألمها وحزنها وبحثها عن مرفأ يكون مسكنها وأمنها وسكينتها .. في أحد الأيام يحاول أحد الموظفين أن يفتح معها باب الحديث طمعا في أن ينعم معها بليلة فهي وكما يرى فتاة شارع وهو يبحث عمن يطفئ نار غريزته لا أكثر .. تصدم فريدة من حديثه تركض تجلس تحت السلم , تضم ساقيها لصدرها وتحتضن نادر وتبكي . لماذا ؟ تسأل نفسها لماذا ؟ .. تجد من يقول لها : إنها الحياة , لكني أسف اذا أزعجتك , هكذا ستتعبين كثيرا .. ويذهب .. ترفع رأسها تتابع بعينها المملؤتين دمع ذاك المتحدث .. أنه نفسه الموظف الذي راودها على نفسها ..

في اليوم التالي تفأجا به يمر بجانبها ويبتسم محييا .. جلس بجانبها,أخرج سيجارة وأشعلها وبدأ ينفث دخانها وتمتم إسمي محمد ثم طلب منها أن تحكي له قصتها .. إستجمعت أفكارها وتنهدت وبدت تحكي قصة الألم الذي عرفته منذ وفاة والديها الي حين وجودها على قارعة الطريق .. نمت بينهما مودة وصداقة .. لم تسأله عن حكايته أو من هو أبدا .. فوجد نفسه يسرد لها ذات ظهيرة قصته وعن سبب رقضه خلف النساء .. إنها بنت الجيران التي كانت تكبره سنا وتحرشت به عندما كان فتى في الرابعة عشرة .. لقد رأى في كل نساء العالم تلك الأفعى ..لقد شاء القدر أن يجتمع تحت سقف هذ المبنى ضحايا الإنسان من الإنسان نفسه .. فهذه فريدة ضحية جور زوجة عمها وذاك محمد ضحية لبنت الجيران .

صارا محمد وفريدة وذاك الطفل نادر ثلاثتهم يلازمون بعضا في أغلب الأوقات . فمحمد ورغم بساطة عيشتهم لمس لديهم الدفء والصدق .. تواعدا محمد وفريدة على الاخلاص والمحبة .. ردد محمد على مسامعها أكثر من مرة أنه يحبها .. فكانت تصمت وتبتسم وترد .. لن أقولها لك إلأ لو كنت أعنيها .. وبينها وبين نفسها كان تشك في محبته أو أنه تسرع في البوح بمشاعره ( إنه كغيره ما أن يظفر بما يريد حتى ينقلب على عقبيه ) هكذا كانت تقول في سرها .. لكنها مع الأيام كانت تلمس صدقه وحنيته في معاملة نادر ..كان يحب أن يلاعبه كثيرا .. ويشتري له الألعاب .. وكانت فريدة تنظر لهما وتبتسم .. إنها حكمة الحياة ننجب الاطفال ليجد الاّخرين سعادتهم معهم وليس أباءهم .

ذات يوم إتصل بها محمد ودار حديث طويل بينهما .. قال لها أحبك .. ردت أنا ايضا .. لما يصدق محمد ما قالته فريدة, أقفل الخط وجاءها مسرعا .. ماذا قلت على الهاتف ... ردت عليها : ما سمعت .. قال أريد أن أسمعها منك .. صمتت وقالت لقد علمتني الحب الذي فقدته بعد وفاة والداي .. لقد أعطيت حياتي طعما بعد أن كان علقما .. بوجودك صار محيطي ورديا بعد أن كان قاتما .. ظهرت السعادة على وجه محمد .. قال لها: وجدت عندك الصدق والبساطة .. تعلمت منك الصراحة .. هي أشياء فقدتها في زحمة الحياة .

كانت فريدة تداوم على الصلاة في المسجد فقد تعلمت ذلك من محمد وكانت بعد أن تصلي العشاء تجلس و تدعو الله أن يديم عليها سعادتها فما تعودت أن تعيش البسمة في ظل حياتها المريرة .. كانت تجمع يديها وترفعهما عاليا علها تصل السماء .. يارب يارب وفق محمد .. وبلغه من يتمناه في الحياة الدنيا , ولا تفرط عقد محبتنا .. وإجمعنا على ما تحب وترضى .. ثم تبكي .. تبكي خوفا من تغير الحال ..

تمر الأيام وينشغل محمد في عمله ويصيير لزاما عليه الالتحاق بدورة في مدينة أخرى مدتها 4 أشهر .. تبكي فريدة لحظة الوداع .. يمسح محمد دموعها ويبتسم قائلا : سأتصل بك دائما .. ولن تنقطع بيننا المحبة إعلمي يا فريدة أنك قد تغيبين عن نظري ولكنك دائما هنا وأشار بسبابته نحو قلبه ... سافر وظلت رسائل الجوال بينهما لا تنقطع, فتارة يبعت لها قائلا : قد يبيع الانسان شي قد شراه .. لكنه أبدا لا يبيع قلبا قد هواه .. وأخرى يقول :الحب لغيرك حرام...والبسمه لغيرك إجرام كتبت أبيات الغرام ...حبك في قلبي صار وسام.. كانت اللحظات تمر ثقيلة على فريدة .. تمر مر السنين, ولكنها كانت تمني نفسها بلحظة اللقاء وهي وإن بعدت قريبة .. كانت لا تحاول إرباك محمد أو إزعجه حتى في أحلك الظروف فذات يوم سقطت أثناء تنظيفها لدورة مياه إصطدمت رأسها بالحوض .. أغمي عليها .. لكنها أفاقت وكلها إصرار على الإنتظار .. ذاك الإنتظار الذي طال , وليتها ما فعلت .. فالأيام لا تحمل لها سوى خيبات الأمل في حب عاشته حلما لتستيقظ منه قسرا ..

ذات يوم تفاجأ بمن يدق باب غرفتها بقوة تسأل : من , يجيبها: إفتحي .. تفتح تجد محمد أمامها لا تصدق .. يضمها إليه بقوة .. ويربت على رأسها .. يدخل ويجلس : إشتقت لك ولنادر كثيرا ... لقد وصلت منذ ثلاثة أيام .. تستغرب .. ثلاثة أيام دون أن تتصل .. فيقول : إنشغلت قليلا مع بعد الأصدقاء وعندما تفرغت أتيت .. كيف حالك .. كان يتحدث بنبرة لما تتعود عليها ومع ذلك كذبت كل ظنونها وظلت مبتسمة .. رغم كل الهواجس التي كانت تتنازعها .. كانت فريدة تحبه حبا ما أحبته لإنسان من قبل .. يغادر محمد على أمل اللقاء مجددا لكنه يغيب أيضا .. تترك له من الزمن فسحة فلعله إنشغل مع أسرته .. كانت دائما ما تخلق له المبررات رغم أن فتور الحب كان واضحا وزيارته لها كانت من باب ترضية الضمير .. ورفع العتب كما يقولون .. بعد عشرة ايام من الغياب تتصل به ,يرد عليها : مساء الخير فريدة كيف الحال .. أسف إنشغلت مجددا مع الأصدقاء .. ردت عليه : أليس لنا أنا ونادر مكان بين كل إنشغالاتك؟ .. رد ببرود: أسف لكن نسيت .. سألته :لم تعد تتصل كما كنت تفعل سابقا ..رد عليها : والله إنشغلت ,لكن لدينا متسع من الأيام .. شعرت فريدة أنها تلح عليه في شي كان عليه أن يفهمه .. تتمنى له ليلة سعيدة وتنهي المكالمة ... تدس وجهها في وسادتها وتبكي بحرقة .. بدأت فريدة تجهز نفسها لصدمات أكثر فظاعة من محمد .. كانت تنظر لنادر وهو يلعب وتتذكر محمد عندما كان يلاعبه ويلعب معه .. إنها الحياة .. تمر لحظات السعادة سريعة .. ثم نغرق في لحظات من الحزن لا نهاية لها .

تمر الأيام والأسابيع دون أن يتصل محمد بل إنه أخذ أجازة من العمل .. إحدى رفيقاتها في العمل قالت لها : أتظنين أنه يحبك .. أفيقي .. هولاء قوم يستخدمون العذب من الكلام لتخديرعواطف غبية مثلك .. يحبك .. مجنونة .. إن كنت تظنين ذلك .. أراهانك إنه الأن مع أخرى .. وكانت فريدة تسكتها : لا محمد ليس كالأخرين إنه يحبني ..في هذه الأثناء كان هناك من يتابع أخبار فريدة ويرصد حركتها من بعيد إنه زميل أخر لمحمد في العمل يدعى رمزي .. رمزي اعجب بصلابة فريدة وشجاعتها .. أحبها في صمت رفض أن يجهر بمشاعره بعد أن رأي حب محمد لها .. فرضى أن يكون الحارس المجهول لها .

ذات مساء تطلب فريدة من صديقتها أن تتصل بمنزل محمد فهاتفه النقال مغلق منذ أسبوعين .. إتصلت الصديقة : وتحججت أنها سكرتيرة بالشركة تستفسر عن بعض الملفات لدى محمد .. فقالوا لها أن محمد مسافر خارج البلاد وأنه سيعود غدا .. سمعت فريدة فصدمت حتى أنه لم يخبرها بسفره .. صديقتها قررت أن تبرهن لها أن محمد لا يحبها وبعد عدة محاولات وتقصي بين أصدقائها علمت باليقين وجاءت لتخبر فريدة : إنه مع صديقة قديمة .. سقطت فريدة عند أول كرسي لا تحرك جفن .في اليوم التالي إتصلت فريدة به رد عليها بكل جفاء قائلا: نعم سافرت للخارج جاء كل شي سريعا فلم أستطع أن أخبرك ..قاطعته : ألازلت تحبني .. ردعليها : لا أعلم .. ماذا ؟ ردت فريدة : ماذا ؟ لا تعلم ... قال: نعم , نعم المدة السابقة عندما إفترقنا لا أدري لكني لم أشتق إليك كما كنت في السابق ..لا أدري .. سألته: مع من كنت في هذه الرحلة .. رد مباشرة : مع ريهام .. لم تتفأجا فريدة لقد صدقت كل المعلومات والتخمينات ! قالت له : أه تصالحتما كنت أعلم ذلك .. صمت محمد .. أراد أن يقول شي لكنه تراجع .. وكأنه يرغب في قول: الأفضل أن أنكون مجرد أصدقاء يا فريدة .. قالها ببساطة .. ألقى بكل كلماته وأشعاره ورسائله عرض الحائط .. سقط كل ذلك الغرام عندما أسدل الستار .. كانت فريدة تسمع وأجزاء جسدها ترتعش .. إنها تتصبب عرقا .. نبض قلبها يتسارع .. بينما كان يتحدث بكل هدوء ووقار يليق به .. بعد محادثة طالت .. طلب منها إنهاء المكالمة .. أسقطت فريدة الهاتف .. ظلت تبكي ..خرجت من غرفتها لا تدري أين تذهب ,كانت تسير هائمة على وجهها في الشوارع ,قادتها ساقيها الى شجرة كتبت ومحمد عليها في يوم ماطر..الأتي: محمد وفريدة * الى الحب الذي شملنا ..نتعاهد على الإخلاص * .. ضحكت بهستيرية .. ظلت تسير وفجاة وهي تقطع الطريق وجدت سيارة تسير بسرعة نحوها لما تلاحظها من شدة الإضاءة .. حاولت أن تتراجع .. أو أن تتقدم .. لكنها فشلت .. ساقاها خانتاها .. وفي أقل من الثانية .. تصدمها.. لتلقي بها عند حافة الطريق .. لحظة صمت تخيم على المكان, يتجمع المارة .. تتمتم سيدة عجوز: مسكينة إنها شابة صغيرة .. وأخر يقول : رأيتها شاردة قبل أن تصدمها السيارة .. ينزل السائق بعد فترة .. ويتجه نحوها, في حين نادى أخرين لنقلها للمشفى .. ينحني .. يصرخ : فريدة .. كان ذاك السائق محمد وكانت ترافقه في السيارة ريهام ..

لقد قتلها على الهاتف وعاد ليجهز عليها في الطريق ... لحظات ونقلت فريدة بين حياة وموت .. في غرفة العناية المشددة .. كانت ترقد وتلك الأنابيب تدخل وتخرج من جسدها الهزيل, أما خارج الغرفة فقد وقف رمزي حاملا نادر بين ذراعيه ..داعيا لها بالنجاة مع أن الأمل صار ضئيل .. محمد يفترش الممر, يبكي و يتمتم : أنا السبب أنا السبب , إنه بكاء لا رجاء منه فقد فات أوانه .. رمزي ينظر لها من خلف الزجاج ,خانه صمته فسقطت دموعه وهو يقول : أحببتك ولازالت أحبك ..فحبك نور قلبي ومحبتك روح عمري ..بعدك عني سيوصلني لقبري .. تشبثي فهناك من يستحق حبك ..

فريدة تلك الفتاة المسكنية هي واحدة من الناس.. قصتها نعيشها كل يوم .. إنها من ضحايا الحب ..سبحان الله الحب الذي سعت له وفعلت المستحيل من أجله كان على وشك أن يقتلها عند قارعة الطريق .. قارعة الطريق التي بدأت منها و إنتهت إليها .. لتبدأ منها حبا أخر ..

اليوم :: فريدة متزوجة من رمزي .. تعلمت الخياطة وصارت معلمة بأحد مراكز التدريب , رمزي ترقى وصار مدير إدارة بشركة مرموقة, نادر صار عمره عشر سنوات وقد إلتحق بمدرسة لذوي الإحتياجات الخاصة , كما أنهما رزقا بتوأم .. أسمياهما فريدة و محمد و وينتظران المولود الثالث قريبا .لقد وجدت فريدة أخيرا مرفأ أمنها وهي سعيدة بأسرتها الصغيرة .

محمد غادر البلاد فرارا من ذكريات حبه لفريدة ( لازال يحبها ) .. ولم يرتبط بريهام ..

يبقى أن نقول : ما أجمل أن يكون هناك رغم البعد ,عقل يتذكر ,وقلب يتأثر ,وشعور مخلص لا يتغير ..

أحداث هذه القصة حقيقية .. أبطالها حقيقيون .. تختلف الأسماء والشخصيات واحدة .. وقد تطلبت الحبكة القصصية بعض التغير ,لكنه لم يمسس بجوهر القصة .

دمتم بمحبة  

ابن الوطن / م. كارة

الإهداء لكل من عاش الحب وأخلص له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق